فصل: باب من الخمس في المعدن والركاز يصاب في دار الحرب ودار الموادعة وما يلحق الذمي من ذلك والعبد والمستأمن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب من الخمس في المعدن والركاز يصاب في دار الحرب ودار الموادعة وما يلحق الذمي من ذلك والعبد والمستأمن

قال محمد - رحمه الله -‏:‏ إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان وأصاب ركازاً من ذهب أو فضة أو جوهر فإن كان أصابه في دار إنسان منه يرده إليه ولا يغدر به لأن هذا مال صاحب الدار فلو لم يرده كان خيانة منه وغدراً وهو قد ضمن ألا يخونهم ولا يغدر بهم في أنفسهم وأموالهم وإن كان أصابه في صحراء أو في موضع ليس بملك لأحد من أهل دار الحرب فهو له بمنزلة الصيد الذي يصطاده المستأمن في دار الحرب وذلك الصيد يكون له فكذلك هذا الركاز يكون له ولا خمس فيه إذاً أخرجه إلى دار الإسلام لأن لم يصبه على وجه إعزاز الدين وأعلاء كلمة الله - عز وجل - ولا بإيجاف الخيل والركاب فصار بمنزلة المتلصص والمال الذي أخرجه المتلصص لا خمس فيه فكذلك هاهنا ولا عشر فيه إن مر به على عاشر المسلمين لأن هذا مال أصابه في دار الحرب ولم يوجد من الإمام رعاية ولا حماية في أرض الحرب فلا يعشره ألا ترى أن المستأمن لو أدخل دار الحرب مالاً له ثم أخرجه إلى دار الإسلام بعدما حال الحول عليه في دار الحرب فإنه لا يعشر ذلك المال فالمال الذي أصابه في دار الحرب وأخرجه إلى دار الإسلام أولى ألا يعشره وهكذا الجواب إذا أصاب المستأمن معدن ذهب أو فضة أو حديد في أرض الحرب أو أصاب عنبراً أو لؤلؤاً في البحر فهو له لأن هذا ليس بملك لأحد فصار كالركاز الذي وجده في الصحراء ولا خمس فيه ولا عشر إذا أخرجه إلى دار الإسلام فإن وجد المعدن في ملك إنسان منهم فليرده على صاحبه والرجل الذي يسلم من أهل الحرب والأسير من المسلمين في ذلك سواء إلا في خصلة واحدة ما أصاب الأسير والرجل المسلم من أهل الحرب في دار رجل منهم فهو له أيضاً ولا خمس فيه ولا عشر لأنه لا أمان لهم ولو قدر على قتلهم وأخذ أموالهم فعل ذلك فإذا أصاب ركازاً أولى أن يكون له وكذلك ما أصابا من لقطة فهي لهما ولا خمس ولا عشر فيها إذا خرجا على العاشر في دار الإسلام لأن الظاهر أن هذا مال أهل الحرب ولو وجدا مالاً في دار واحد منهم كان لهما ولا خمس فيه ولا عشر فاللقطة أولى أن تكون لهما فأما المستأمن فما وجد من لقطة في دار الحرب فيبغي له أن يعرفها ما يعرف اللقطة في دار الإسلام لأنه لا يحل له أخذ أموالهم كما لا يحل له أخذ مال المسلمين فإن عرفها حولاً فإن جاء صاحبها وإلا يتصدق بها كما في دار الإسلام إذا عرفها حولاً ولم يجيء صاحبها يتصدق بها وأحب إلي أن يتصدق بها على فقراء المسلمين الذين في دار الحرب فإن لم يجد فعلى فقراء أهل الذمة لأنه لو صرفها في دار الإسلام إلى فقراء أهل الذمة يجوز فكذا في دار الحرب فإن لم يجدهم ففقراء أهل الحرب لأن هذا مال وجد من أهل الحرب فيجوز الصرف إلى فقراء أهل الحرب بخلاف اللقطة في دار الإسلام فإنها لا تصرف إلى فقراء أهل الحرب لأن تلك اللقطة مال المسلم فلا تصرف إلى الفقراء والذين ليسوا من أهل دار الإسلام وإن كان فقيراً فأكلها فلا بأس بذلك لأن المسلم الملتقط في دار الإسلام إذا كان محتاجاً فلا بأس بأكلها فهاهنا أولى فإن كان غنياً عندنا لا يحل له أن يتناول وعند الشافعي - رحمة الله عليه - يحل له فإن أكلها أو تصدق بها ثم جاء صاحبها فإن عرفها فإني أحب له أن يغرمها له ولا يجبر على ذلك في حكم الإسلام إن اختصما إلى إمام المسلمين بعدما أسلم صاحبها لأن استهلكها في أرض الحرب ولو غصبها فأخفر الذمة فإنه لا يضمن في الحكم ولكن المستحب له أن يضمن له فكذلك إذا استهلك اللقطة لا يضمن في الحكم ولكن المستحب له أن يغرمها له وإذا دخل الحربي في دار الإسلام بأمان فأصاب ركازاً أو معدناً فاستخرج منه ذهباً أو ورقاً أو حديداً فإن إمام المسلمين يأخذه منه كله ولا يكون له منه شيء لأن هذا غنيمة فإن المسلمين أوجفوا عليها الخيل‏.‏

ألا ترى أن المسلم لو كان هو الذي أصاب بخمس والباقي له ولو لم يكن غنيمة لكان لا خمس فيه والحربي لا حق له في غنائم المسلمين‏.‏

ألا ترى أن الحربي المستأمن لو خرج بغير إذن الإمام مع عسكر المسلمين وقاتل المشركين فأصابوا غنائم فإنه لا يعطى له شيء من الغنيمة فكذلك لا حق له في هذه الغنيمة فإن كان الحربي المستأمن استأذن إمام المسلمين في طلب ذلك والعمل فيه حتى يستخرجه فأذن له في ذلك فعمل فأصاب شيئاً خمس ما أصاب وكان ما بقي للحربي المستأمن لأن الحربي المستأمن لو قاتل المشركين بإذن الإمام صار له في الغنيمة نصيب حتى أنه يرضخ له كما يرضخ للذمي فكذلك إذا عالج المعادن بإذن الإمام يصير له فيها نصيب فيؤخذ منه الخمس والباقي له ولو أن الحربي المستأمن أصاب من بحر المسلمين لؤلؤاً كثيراً أو عنبراً أو أصاب معدن جوهر أو فيروزجاً فأصاب منه شيئاً كثيراً وذلك بغير إذن الإمام فهو له ولا خمس فيه أما اللؤلؤ والعنبر فلأنه يستخرج من البحر وما في البحر لا يكون غنيمة إنما الغنيمة ما يكون في البر ألا ترى أن المسلم لو أصاب ذلك لا خمس فيه فإذا لم يكن غنيمة كان بمنزلة السمك والصيد وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رضي الله تعالى عنهما - لأنه لا خمس في اللؤلؤ والعنبر وأما عند أبي يوسف - رحمة الله عليه - لو أصابه المسلم بخمس فكان في حكم الغنيمة فيؤخذ كله من الحربي وأما الفيروزج فجزء من الأرض ألا ترى أنه لا ينطبع بالنار فكان بمنزلة الحجر ولا خمس في الحجر وإذا لم يكن فيه خمس لا يكون غنيمة فيكون كله للحربي المستأمن كالصيد الذي يصيبه في دار الإسلام وما أصاب الذمي من ركاز في دار الحرب أو معدن وهو فيها بأمان أو أسير فهو فيه بمنزلة المسلم لأنه من أهل دارنا فكان حكمه في ذلك وحكم المسلم سواء وما أصاب الذمي من ركاز في دار الإسلام أو معدن ذهب أو فضة أو رصاص أو زئبق فهو والمسلم فيه سواء بخمس ما أصاب وما بقي فهو له سواء كان بإذن الإمام أو بغير إذن الإمام لأنه من أهل دارنا ويجري عليه حكمنا فكان بمنزلة المسلم روى محمد - رحمة الله عليه - حديثاً في العنبر عن عمرو بن دينار عن أبيه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه سئل عن العنبر هل فيه خمس فقال‏:‏ إنما هو شيء دسره البحر وما وجد العبد من ركاز أو معدن في دار الإسلام خمس وكان ما بقي لمولى العبد لأنه غنيمة والعبد من أهل استحقاق الغنيمة ألا ترى أنه لو أعان المسلمين في قتال المشركين في قتال المشركين يرضخ له من الغنيمة فلما كان هو أهلاً لاستحقاق تلك الغنيمة فكذلك استحق هذه الغنيمة فيخمس والباقي يكون لمولى العبد لأن مال العبد يكون لمولاه وكذلك المكاتب إذا أصاب ذلك فإنه يخمس والباقي يكون له دون مولاه لأن هذه من كسبه والمكاتب أحق بكسبه من مولاه وكذلك الصبي إذا أصاب ذلك في دار الإسلام يخمس والباقي يكون له لأنه يرضخ له من الغنيمة إذا قاتل فكذلك ما استخرج من المعدن يكون له بعد الخمس وإذا كانت دار من دور أهل الحرب قد وادع المسلمون أهلها على أن يؤدوا إلى المسلمين شيئاً معلوماً في كل سنة على ألا يجري عليهم المسلمون أحكامهم فهذه دار الحرب لأن الدار إنما تصير دار الإسلام بإجراء حكم المسلمين فيها وحكم المسلمين غير جار فكانت هذه دار حرب فمن دخل من المسلمين هذه الدار بتلك الموادعة فأصاب ركازاً فإن وجده في الصحراء كان له ذلك وإن وجده في دار واحد منهم رده عليه وإن طلبوا أن يكونوا ذمة لهم يجري عليهم حكمهم ويأخذون منهم في السنة خراجاً معلوماً ولم يكن المسلمون ظهروا عليهم قبل ذلك فهذه دار الإسلام لأن أحكام المسلمين جرت فيها فما أصيب فيها من ركاز أو معدن ذهب أو فضة فإنه يخمس والباقي للذي أصابه كما إذا أصيب ذلك في دار الإسلام فإن وجده في ملك إنسان منهم فإنه يخمس والباقي لصاحب ذلك الموضع عند أبي حنيفة ومحمد - رضي الله تعالى عنهما - وعلى قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - الباقي للواجد كما لو وجده في دار الإسلام في ملك واحد من المسلمين فأبو يوسف - رحمه الله تعالى - يقول‏:‏ إن هذا مال مباح فيكون لمن سبقت يده إليه وأبو حنيفة ومحمد - رضي الله تعالى عنهما - يقولان‏:‏ صاحب الخطة ملك ذلك الموضع بالإحراز فيملك ظاهر الأرض وباطنها والدليل عليه حديث علي - رضي الله تعالى عنه - فإنه قال‏:‏ إذا أصيب في قرية يؤدي عنها قوم الخراج فهو لهم وإن كان أصيب في قرية لا يؤدي عنها أحد الخراج فهو لمن أصابه وفيه الخمس وقال محمد - رحمة الله عليه - في قبرس وهي جزيرة من جزائر البحر أهلها نصارى يؤدون إلى العرب شيئاً وإلى الروم شيئاً كل سنة وهم صلح للمسلمين وصلح للروم إلا أن أحكام المسلمين لا تجري عليهم لو أصاب رجل من المسلمين فيها ركازاً أو معدناً فإن كان أصابه في ملك إنسان يرده عليه وإن أصابه في صحراء فهو له ولا خمس فيه لأن هذه دار حرب لأن حكم المسلمين فيها غير ظاهر وقد ذكرنا أن الجواب على هذا إذا أصيب ذلك في دار الحرب فكذلك هاهنا والله أعلم‏.‏

ولو أن عسكراً من المسلمين لهم منعة وعزة دخلوا أرض الحرب فأقاموا فيها حيناً حتى زرع منهم ناس زروعاً فأدركت زروعهم فحصدوها وأخرجوها إلى دار الإسلام فإن كان البذر الذي بذروه من بذر لهم أدخلوه من أرض الإسلام فذلك الزرع كله لهم لأن هذه نماء ملكهم ونماء الملك لمالكه حتى يستحق بحق ولا خمس فيه لأنه ليس بغنيمة ولا عشر فيه ولا خراج لأن العشر والخراج إنما يجب في أراضي المسلمين وهذه أراضي أهل الحرب وأراضي أهل الحرب ليست بعشرية ولا خراجية وإن كان البذر الذي بذر في الأرض من حنطة أصلها من أرض العدو فأقام على ذلك حصده ودراسه وأخرجه إلى دار الإسلام فإنه يؤخذ منه مقدار البذر الذي كان من طعامه هذا فيجعل في الغنيمة والباقي يكون له ولا يكون الكل غنيمة وإن خرج من بذر الغنيمة لأن هذا الرجل لا يكون أشقى حالاً من الغاصب ومن غصب بذر إنسان فبذره في أرض نفسه فخرج زرع كثير فإنه يضمن مقدار البذر للمغصوب منه والباقي يكون للغاصب فهاهنا أولى فإن قيل‏:‏ لم يؤخذ منه مقدار البذر وهذا الرجل قد استهلك طعام الغنيمة ومن استهلك طعام الغنيمة في دار الحرب لا شيء عليه قلنا‏:‏ بذر الطعام في الأرض هذا ليس باستهلاك حقيقة لأنه بذر يتطلب منه النماء ألا ترى أن الأب والوصي يملكان بذر طعام الصبي في الأرض ولو كان استهلاكاً لكان لا يملكان ذلك وهو قياس الخلنج إذا أصابه واحد من الغانمين فجعله قصاعاً في دار الحرب وأخرجه إلى دار الإسلام فإنه يقوم الخلنج معمولاً وغير معمول فما كان من قيمته غير معمول يطرح في الغنيمة والباقي يكون له وكذلك إذا أصاب جلد سمور فدبغه يقوم مدبوغاً وغير مدبوغ فما كان من قيمته غير مدبوغ يطرح في الغنيمة والباقي يكون له فكذلك هاهنا قال‏:‏ وإن أصاب الذمي أو العبد أو المكاتب أو الصبي أو المرأة معدناً في دار الإسلام أو ركازاً خمس ما أصاب وكانت البقية لمن أصابه وإن كان ذلك بغير إذن الإمام لأن هؤلاء يثبت لهم في الغنيمة حق وإن أصابوها بغير إذن الإمام فإنهم لو غزوا مع عسكر من المسلمين بغير إذن الإمام رضخ لهم من الغنيمة فكذلك ثبت لهم حق فيما أصابوا في دار الإسلام فإن قيل‏:‏ هؤلاء يرضخ لهم الغنيمة ولا يضرب لهم بسهم مقدر فهلا يرضخ لهم في الغنيمة فيما أصابوا في دار الإسلام من الركاز والمعدن دون ما يعطى البالغ قيل له‏:‏ لما وجب لهم في الغنيمة الرضخ فقد وجب لهم في الغنيمة حق ونصيب والحقوق في الغنيمة متفاوتة فكل شيء قدره الإمام صار كالذي ظهر تقديره بالشريعة وتفاوت المقادير من حيث الشريعة في الغنيمة لا يمنع استحقاق جميع من أصاب من الركاز والمعدن ألا ترى أنه يستوي فيه الراجل والفارس في إصابة المعدن وإن كانت حقوقها متفاوتة في الغنيمة فكذلك الحر والعبد يستويان في إصابة الركاز والمعدن ولأن الذي يجد المعدن يتفرد باستخراجه فهو كقوم ممتنعين من بعض هؤلاء الأصناف لو غزوا فأصابوا غنائم وأخرجوها إلى دار الإسلام فهذه الغنيمة تقسم بينهم على سهام الخيل والرجالة بعد الخمس كما يفعل ذلك للمقاتلة من المسلمين فالذي يستخرج المعدن والركاز مثله قال‏:‏ ولو أن الحربي المستأمن استأذن الإمام في طلب الكنوز والمعادن فأذن له الإمام على أن للمسلمين مما يصيب النصف وله النصف فعمل على هذا فأصاب ركازاً أو معدناً فإن الإمام يأخذ نصف ما أصاب والحربي نصفه وذلك لأن الحربي المستأمن إنما يستحق من الركاز الذي أصابه في دار الإسلام ما استحقه بشرط إذن الإمام فإنه لو أصابه بعد إذن الإمام بعد إذن الإمام أخذ منه وإذا كان استحقاه بالشرط فإنما يستحق ما شرط له الإمام والإمام شرط له النصف فلا يستحق أكثر من النصف ثم الإمام يأخذ خمس جميع ما أصاب الحربي من هذا النصف الذي أخذه من الحربي فيجعله للفقراء ويجعل النصف للمقاتلة وذلك لأن إذن الإمام يصير ما أصابه الحربي غنيمة يجب فيها الخمس فقد أوجب له إذنه حقاً في جميع المصاب بعد الخمس وليس للإمام أن يصرف ذلك عنهم إلى غيرهم أبداً فيجعل خمس النصفين للفقراء ويجعل الباقي للمقاتلة وقال‏:‏ ولو أن مسلماً أو عبداً أو مكاتباً أو ذمياً أو صبياً طلب الكنوز والمعادن بإذن الإمام فأذن له في ذلك على أن له النصف وللمسلمين النصف فأصاب كنزاً أو أموالاً من المعادن فإن الإمام يأخذ منه الخمس وما بقي فهو لمن أصابه وذلك لأن المسلم ما يستحق من الركاز والمعدن والكنور وغير ذلك فإنما يستحقه بالإصابة لا بالشرط من الإمام لأنه شرط لا يقتضيه الشرع فإن القياس أن يكون كله للواجد لأن هذا مال مباح فيكون لمن أصابه إلا أنا أوجبنا الخمس بالشرع وما زاد على ذلك لا شرع فيه فهو باق على أصل القياس بخلاف الحرب المستأمن إذا أصابه على هذا الشرط لأن استحقاقه بشرط الإمام على ما قلنا فلا يستحق أكثر من المشروط واستدل في الكتاب بفصل وقال‏:‏ ألا ترى لو أن الإمام أرسل جنداً من المسلمين إلى دار الحرب وشرط لهم النصف مما أصابوا والنصف الآخر لجماعة المسلمين فأصابوا غنائم خمس ما أصابوا والباقي كله لهم وكان شرط الإمام باطلاً لأن استحقاقهم لا بشرط الإمام وشرط الإمام شرط لا يقتضيه الشرع لما أنه يجعل الغنيمة لمن لم يوجد منهم قتال فنفى شرطه وبمثله لو أن قوماً من أهل الحرب دخلوا دار الإسلام بأمان على أن يجتازوا من دار الإسلام إلى دار حرب أخرى لم يكونوا يظفرون بقتالهم إلا بالممر من دار الإسلام لو كانوا يظفرون به فأحبوا أن يكون ذلك من دار الإسلام ليكون أرعب للعدو فأذن لهم الإمام على أن للمسلمين النصف مما أصابوا ولهم النصف فأصابوا غنائم فإن الإمام يأخذ النصف وما بقي فهو لهم لما أنهم متى خرجوا إلى دار الإسلام سرية فإنما يستحقون ما يستحقون بالشرط فكان شرط الإمام معتبراً فلا يستحقون أكثر مما اشترط لهم فكذلك ها هنا ولو أن حربياً مستأمناً من الروم في دار الإسلام وجد حربياً تركياً في دار الإسلام دخل بغير أمان لم يكن له شيء منه في قولهم جميعاً أما على قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فلأنه لما دخل دارنا صار فيئاً لجماعة المسلمين حتى لو أخذه منه مسلم لا يسلم له ولكنه يؤخذ منه فيوضع في بيت مال المسلمين فالحربي إذا أخذه أولى ألا يسلم له وأما عند محمد - رحمة الله عليه - فلأنه لو أخذه مسلم كان غنيمة في الراوية التي توجب فيه الخمس ولما كان غنيمة عند أخذ المسلم فكذلك يكون غنيمة عند أخذ الحربي ولا حق للحربي في الغنيمة فيؤخذ منه كله وصار هذا والركاز الذي وجده في دار الإسلام سواء ولو كان الإمام أذن له في طلب ذلك فوجد قوماً من أهل الحرب من أهل داره أو من غيرها دخلوا بغير أمان فعند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فكذلك لا يكون له منه شيء لأنه بالدخول في دار الإسلام صار حقاً لجماعة المسلمين فيوضع في بيت المال إذا أخذه من الحربي وأما عند محمد - رحمة الله عليه - يخمس ما أصاب منهم والباقي يكون له لأنه غنيمة الحربي يثبت له الحق في الغنيمة إذا كان الأخذ بإذن الإمام وهذا كالركاز المعدن إذا أصابه بإذن الإمام يخمس والباقي له فكذلك ها هنا ولو أن مسلماً حراً أو عبداً أو مكاتباً أو امرأة أذن له الإمام في طلب الكنوز والمعادن من الذهب والفضة وغير ذلك على أن ما أصاب من ذلك فهو له لا خمس فيه فأصاب مالاً كثيراً من المعادن فليس ينبغي للإمام أن يسلم ذلك له إن كان موسراً لأن ما يصاب من الركاز والمعدن هو غنيمة والخمس حق الفقراء في الغنيمة ولا يجوز له أن يبطل حق الفقراء فإن كان الذي أصابه محتاجاً عليه دين كثير لا يصير غنياً بالأربعة الأخماس فرأى الإمام أن يسلم ذلك الخمس له جاز لأن الخمس حق الفقراء وهذا الذي أصابه فقير فقد صرف الحق إلى مستحقه فيجوز والدليل عليه ما روي عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال لذلك الرجل الذي أصاب الركاز إن وجدتها في أرض خربة فالخمس لنا وأربعة أخماسه لك ثم قال‏:‏ وسنتمها لك وإنما قال ذلك لأنه رآه أهلاً للصدقة فإن قال مثل هذا لحربي مستأمن أو لذمي وأذن له في مثل ما أذن للمسلمين فأصاب كنزاً أو معدناً خمس ما أصاب وكان ما بقي للحربي أو الذمي ولا ينبغي للإمام أن يعطي الخمس للكافر غنياً كان أو فقيراً معدماً لأن الخمس حق أوجبه الله - تعالى - بنص القرآن للفقراء فلا يجوز صرفه إلى الكفار كالزكاة ولو أن الإمام أرسل جنداً من أهل الذمة أو من أهل الحرب المستأمنين أو الموادعين يقاتلون له مع أهل حرب آخرين وأمر عليهم أميراً من أمراء المسلمين وأمره أن يحكم فيهم بحكم المسلمين فدخلوا دار الحرب فأصابوا غنائم فإنه بخمس ما أصابوا وما بقي فهو لهم على سهام الغنيمة للفارس منهم ما للفارس وللراجل منهم ما للراجل لأن حكم المسلمين هو الظاهر فيهم والمأخوذ منه يكون على وجه إعزاز الدين وعلى حكم الإسلام فيكون غنيمة وأهل الذمة هم المقصودون فيه ليسوا بتبع للمسلمين فيكون غنيمة بينهم على سهام الخيل والرجالة ألا ترى أن أهل الذمة لو دخلوا بغير إذن الإمام كان الحكم كذلك وإن لم يكن معهم أحد من المسلمين فالمستأمنون إذا أذن لهم الإمام صاروا بمنزلة أهل الذمة فإن دخل معهم قوم مسلمون يقاتلون معهم فقال المسلمون‏:‏ نرضخ لأهل الذمة والحربيين ولا نسهم لهم ونحن نأخذ السهام نظر في المسلمين فإن كانوا أهل منعة بأن كانوا وحدهم يستغنون عن أهل الذمة إلا أن كينونتهم معهم أفضل فإن السهم للمسلمين ويرضخ لأهل الذمة والحربيين لأن المسلمين إذا كانوا أهل منعة وأهل الذمة تبع لهم فليس لهم إلا الرضخ وإن كان لا منعة لهم إلا بمن معهم من أهل الذمة فأهل الذمة والحربيون شركاء في الغنيمة يقسم بينهم وبين المسلمين على سهام الخيل والرجالة لأن المال لم يصر غنيمة للمسلمين إنما صار غنيمة بأهل الذمة لولاهم لكانوا متلصصين غير غزاة فإذا صار المال غنيمة بأهل الذمة ساووا المسلمين وإن أصابوا الغنيمة في دار الحرب والمسلمون لا منعة لهم ولم تقسم الغنائم ولم تخرج إلى دار الإسلام حتى لحقهم جند من المسلمين مدوا لهم فصار المسلمون بجملتهم أهل منعة كانت السهام للمسلمين ويرضخ لأهل الذمة لأن المدد إذا لحقوهم في دار الحرب صاروا كأنهم دخلوا معهم‏.‏

ألا ترى أنهم يشاركونهم في الغنيمة ولو دخلوا معهم وهم أهل منعة يرضخ لأهل الذمة فكذلك ها هنا وإن كان أهل الذمة إذا انفردوا لا منعة لهم والمسلمون إذا انفردوا لا منعة لهم فإذا اجتمعوا كانت لهم منعة فاجتمعوا فأصابوا غنائم فإنه يسهم لأهل الذمة كما يسهم للمسلمين لأن المال إنما صار غنيمة بهم جميعاً ليس لأحد الفريقين فضل على الآخر فاستووا جميعاً في الغنيمة وكذلك إن كان لكل فريق منعة كانت الغنيمة بينهم على سهام الخيل والرجالة لأنه ليس لأحد الفريقين فضل على الآخر فلم يكن بعضهم تبعاً للبعض فاستووا في الغنيمة وهكذا الجواب في السرية إذا كانوا كلهم عبيداً أو مكاتبين دخلوا بإذن الإمام فأصابوا غنائم فإن الغنيمة بينهم على سهام الخيل والرجالة وإن كان معهم أحرار فهو على التفصيل الذي قلنا لأن العبيد أهل رضخ فلا يسهم لهم إلا أن يكون لهم منعة فيساووا الأحرار في الغنيمة ولو أن رجلاً أو رجلين أو ثلاثة أو من منعة له من المسلمين أو من أهل الذمة دخلوا دار الحرب بغير إذن الإمام فأصابوا غنائم فأخرجوها إلى دار الإسلام كان ذلك لهم ولا خمس فيه لأنهم متلصصون والمصاب على وجه التلصص لا يكون غينمة ولا يجب فيه الخمس وإن دخلوا بإذن الإمام خمس ما أصابوا لأن الإمام لا يمنعهم إلا لمصلحة فيها إعزاز الدين فنزلوا منزلة سرية وجههم الإمام فكان المصاب على وجه إعزاز الدين فيكون غنيمة وفي الغنيمة الخمس فإن قال لهم الإمام أذنت لكم على أن لكم النصف مما تصيبون ولجماعة المسلمين النصف فرضوا بذلك فأصابوا غنائم لم يكن الأمر على ما قال ولكن يخمس ما أصابوا والباقي لهم لأن إذن الإمام جعلهم أهل منعة وجعل المصاب غنيمة ولو كانوا أهل منعة شرط عليهم الإمام هذا الشرط لم يصح الشرط لأنه شكر لا يقتضيه الشرع فكذلك ها هنا لا يصح هذا الشرط فإذا بطل الشرط كان فيه الخمس والباقي للغانمين كما هو الحكم في الغنائم فإن كان الإمام قال هلم لكم ما أصبتم كله فاجهزوا فخرجوا وغنموا كان ما أصابوا كله لهم ولا خمس فيه لأنه لا حكم لهذا الإذن فإنه لولا الإذن لكان الكل هلم قلنا‏:‏ هذا الإذن فصار كأنهم دخلوا بغير إذن الإمام ولو دخلوا بغير إذن الإمام لم يخمس ما أصابوا فكذلك ها هنا قال‏:‏ ولو أن الإمام قال لسرية أرسلها من دار الإسلام إلى دار الحرب وقال لهم‏:‏ ما أصاب إنسان منكم من ركاز أو معدن فأخذ منه شيئاً فهو له فأصاب رجل منهم ركازاً فهو له ولا خمس فيه بخلاف ما إذا قال لهم في دار الإسلام‏:‏ من أصاب ركازاً أو معدناً فهو له ولا خمس فيه فأصاب رجل شيئاً من ذلك في دار الإسلام خمس ما أصاب والباقي له والفرق بينهما هو أن الركاز إذا كان في دار الحرب فالمسلمون لم يوجفوا عليه ولم يصر غنيمة بعد ولا يثبت فيه الخمس الذيب هو حق الفقراء فهذا تنفيل من الإمام قبل إحراز الغنيمة فيجوز وأما الركاز في دار الإسلام فقد أوجف عليه المسلمون وصار غنيمة ووجب فيه الخمس للفقراء فلم يكن هذا تنفيلاً من الإمام بل هو إبطال الخمس الذي هو حق الفقراء فلا يجوز هذا الشرط والله الموفق‏.‏